الخميس، 9 فبراير 2012

فــي بــيــت جــدتــي



 

لم أتأخر دقيقة واحدة كعادتي في مهمتي المعتادة بزيارة بيت جدتي بين الفينه والأُخرى .. ذلك البيت الذي يقبـع
في مدينة غير المدينه التي اسكنها، انهُ البيت الذي لعبتُ فيهِ صغيرا.. وعفّرتُ جبيني برملهِ الذي كان يتوسـط
باحة المنزل، إنهُ الرملُ الذي رسمت عليه خالتي يوما (بومبو).. فطار عقلي.. وعشتُ سحرا حلالا.. وأعييتني الحيلُ كيف أقودُ بومبو المُصمّمةُ برمل بيت جدتي!..



فتلك الـشُّـخـيــبـطــاتُ القديمه في الجـدرانُ
لي.. والحبلُ المُعلّقُ على سطـح المنـزل لـي.. والعصـافيرُ التي

تزورُ المنزل الى اليوم لي.. صياح الديوك هُناك لي.. حتى بعرُ المواشي وفضلاتُ الطيور كانت لي.. إنها طفولتي بأنانيتها الحميدة قد كانت مملكةً لي.. فلا أحد يجرؤ على لمسِ شيءٍ بدون إذن مني.. إنها مملكتي التي لم ولن ولن أتنازل عنها .. مهما تغيّرت ملامحُ
البيت .. ومهما كبرتُ أنا .. وانحنأ ظهرُ جدتي.




بعد ان وصلتُ الى منزلها .. حييتها وتوجهت ُبعدها بالتجوال في انحاء المنـزل.. وخصوصا في ذلك الجزء الـذي كنت
العبُ فيه صغيرا.. وللأمانه كان هو الجزء الاكثر اهمالا.. وخصوصا تلك الغُرفة التي كُنتُ دائما أغزوها بسبب فضولي
لمعرفة ما بداخل المندوس..! وكم حـاولتُ ذلك .. ولكــن بلا فائده.. أتذكرُ هـذا الجـزئ جيدا.. كُل شيءٍ فيهِ تُسكـرني ..
حتى رائحة العناكب التي كانت تنظُرُ اليَّ بشوق.. وكأنما أسمعُ صوتها تُناديني .. لا أعـرفُ مصــدر تلك الرائحه التي
اسكـرتني بمجـرد ان فتحـتُ الغُرفه.. ولا أظنها تكون الا نُتاجا لتلك الاشياء القديمه .. جمادها وحيّها.. الغُرفه كانت
مُعتمةً نوعا ما رُغم ان الوقت كان عصرا.. فلم أشأ أن أُكدّر صفـوها بتـور المصـابيح الكهـربائيه.. بل جعلتهـا على
سجيتها، فشكرني القنديلُ القديم القابع على أحــد الرفوف علــى مراعاتي لمشاعــره! .. فدخلتُ بخطواتٍ مُتأنيه
مُتأمله.. مسحوره.. وكأنني أتقدمُ الى نهرِ الخلود فأشربُ منــهُ وأدخــلُ الى عالم الخلــود! .. لم أُحرّك شيئا، جعلتُ
كل شيءٍ في مكــــانه.. لأنني أؤمن بأن الاشــياء التي أمامي أنما هي مُقدسةٌ عنـدي قداسـة البـابا في الكنائس..
فقد وقفتُ في وسط الغُرفة القديمه .. وجعلتُ أدورُ في مكاني وأُقــلبُ بصــري بين أشيــاءات الغــُرفه.. وأنا على
أشـــد ما أكــون في الاستغــراق.. فقد الهمني السقفُ القديم الذي لم تتـرك العنـاكبُ فيهِ مهبــطَ ذُبابةٍ إلا و
قد غزلت عليها خيوطها .. فتبادى لي السقـــف كأنهــا تجاعيدُ جبين رجُلٍ وصل التسعـين من العمر!، والجُــدرانُ
كانت تحكي لي فصول رواياتٍ قديمه .. وقصص قصيره وفزورات كانت تحكيها لي جدتي فيما مضى.. الرفوفُ كانت فيما تحملُ من أشياء قديمه.. تحملُ كذلك تقلبات بصري عندما كنتُ طفلا أشرعُ في النوم.. فأنظُرُ الى الرفوف ..
فتغمزُ لي الخيالاتُ والاشباحُ من فوقها.. وتتهيأ لي أشكالا غريبه.. تُداعبُني تارةً وتعبسُ في وجهي تارةً أُخرى ..
وأنا في كلتا الحالتين .. أختبئُ تحت غطائي .. لأنام ضاربا تلك الخيالات والاشباح عرض الحائط.




الخروج من غُرفةٍ كهذه تحملُ كل تلك المشاعر والاشياء القديمه .. لا يكون الا خروجا تُشيعهُ الدموع .. وأمنياتٍ
للرجوع .. لذلك الزمن الجميل.. بقناديله .. بقفل الباب القديم الذي كان يُعلّقُ نهاية طرفهُ بالمربط أعلى الباب
الخشبي الكبير..


وقفتُ على باب الغُرفةِ بُرهةً .. استعبرُ ما مضى .. أُحاولُ أن افوق من سكرتي .. ولكن شعرتُ عندها بشعورٍ
آخر.. !! مختلف تماما!! .. شعرتُ بأني خرجتُ من هُناك ونسيتُ شيئا.. !! مع اني لم اكن احملُ معي الا نقالي
.. وهو في جيبي.. شيءٍ ماديٌّ محسوس!! .. عندها .. شعرتُ بعظمة الخالق! واقشعّرَ جسدي .. ووقف الشعرُ
في انحائي احتراما لقوة العقل الباطن الذي وضعهُ اللهُ فينا !! .. لأنني في تلك اللحظه رجعتُ أكثر من 15
عاما الى الخلف.. بومضةٍ سريعةٍ من العقل الباطن تذكرتُ (طائرتي الورقية) التي أضعتها من تلك الاعوام !!
فما الذي ذكرني بها الان يا تُرى ؟ بعدها .. ابتسمتُ وتذكرتُ جيدا أن جدتي خبأتها عني يومها لسبب ما ..
فعرفتُ الان اين خبأت الطائرة الورقيه.. إنها في (المندوس) .. فكم تمنيتُ أن ارجع الى الغُرفة وأفتح المندوس..
ولكن .. خُفت أن امس قداسة المكان .. فأكفر بماضيي .. فمضيتُ في طريقي.. باسما ابتسامةً طفولية..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق